حديث الجمعة الديني : “الإسلام واليوم العالمي للشباب “
15 سبتمبر، 2016أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر كانون أول ” ديسمبر ” عام 1999م أن يكون الثاني عشر من شهر آب ” أغسطس ” يوماً عالمياً للشباب، وجاء ذلك بتوصية من المؤتمر العالمي لوزراء الشباب الذي عقد في جمهورية البرتغال في عام 1998م، وكان أول يوم يتم فيه الاحتفال بيوم الشباب العالمي بتاريخ 12/8/2000م، وهكذا يحتفي العالم بالشباب للعناية بهم والبحث عن احتياجاتهم الروحية والفكرية والثقافية والعلمية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية. وضرورة تأهيلهم وتوفير فرص العمل لهم من أجل تنمية القوى البشرية في المجتمع، كيف لا وهم عدة الأمة وعمادها وأملها ومستقبلها؟ فلا بدّ من مشاركة الشباب في مجالات الحياة المتعددة ومواكبة التطورات والتغييرات المتلاحقة, والاستفادة من طاقاتهم المتجددة مع ضرورة الاستفادة وخبرة وحنكة ودراية الشيوخ.
الشباب والمسؤولية
من الواجب علينا أن نشير إلى أنّ ديننا الإسلامي العظيم قد أعطى عناية فائقة للشباب, قبل خمسة عشر قرناً, وقبل أن تخصص المنظمات والهيئات الدولية يوماً عالمياً للشباب, وأنّ الشريعة الإسلامية قد قامت بتأهيل الشباب للقيام بعبء المسؤولية. وما من شك أنّ عنصر الشباب كان واضحاً وبارزاً في حمل الدعوة الإسلامية منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم, وفي بناء الدولة ومشاركتهم في الأحداث البارزة مثل: حادثة الهجرة النبوية ومعركة بدر وغيرها من المعارك. وأنّ كتب السيرة النبوية حافلة بمئات النماذج للشباب الذين كان لهم السبق في التضحية والفداء أمثال: علي بن أبي طالب ومصعب بن عمير وعمار بن ياسر رضي الله عنهم أجمعين.
حث الشباب على العمل
هناك أحاديث نبوية شريفة تحث الشباب على العمل والإنتاج, وأنّ كل شاب يسأل عن الوقت الذي أمضاه في حياته, وأسوق عدداً من هذه الأحاديث الشريفة:
1. “اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك, وغناك قبل فقرك, وفراغك قبل شغلك, وحياتك قبل موتك”. أخرجه الحاكم في المستدرك عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. فهذا الحديث الشريف يحث على اغتنام فترة الشباب قبل الهرم لأنّ الإنسان في فترة شبابه تكون له القدرة والهمّة والقوة على تنفيذ ما يريد, فالمطلوب من المسلم العاقل أن يستفيد من هذه الفترة قبل دخوله في سن الهرم والكبر, فقد لا تكون لديه القدرة الكافية, حينئذ للقيام بالطاعات وأداء الواجبات والقربات ويعجز في غالب الأحيان عن أداء ما هو مطلوب منه على الوجه الأكمل, سواء بسبب ضعف القوة الجسمية أو بسبب إصابته بالأمراض التي تعيقه عن أداء الواجبات والطاعات والقربات.
2. “لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم”. أخرجه الترمذي عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
3. عن الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال “غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك, فمرّ بنا شاب نشيط يسوق غنيمة له. فقلنا: لو كان شباب هذا ونشاطه في سبيل الله كان خيراً له منها. فانتهى قولنا حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما قلتم؟ قلنا: كذا وكذا. قال: إما أنه كان يسعى على والديه أو أحدهما فهو في سبيل الله, وإن كان يسعى على عيال يكفيهم فهو في سبيل الله, وإن كان يسعى على نفسه فهو في سبيل الله عزّ وجل”. أخرجه البيهقي في كتابه (السنن الكبرى).
تقويم الأخلاق والسلوك
لقد حرص ديننا الإسلامي العظيم على توجيه الشباب الوجهة السليمة, وعلى تقويم الأخلاق والسلوك لديهم, ففي صلاحهم صلاح للمجتمع. وهناك عدد من الأحاديث النبوية الشريفة ومن أقوال الصحابة التي تحث الشباب على الاستفادة والسلوك الحسن والابتعاد عن المحرمات وتجنّب رفاق السوء, منها:
1. “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج, ومن لم يستطع فعليه بالصوم, فإنه له وجاء”. رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
2. “يا شباب قريش لا تزنوا, ألا من حفظ فرجه فله الجنة” رواه البيهقي في (شعب الإيمان) والحاكم في المستدرك, وفي رواية (من سلم له شبابه فله الجنة). رواه أبو يعلى الموصلي في (المسند) عن الصحابيين الجليلين عبد الله بن عباس وأبي طلحة رضي الله عنهم.
3. عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت :”أول من اتهم بالأمر القبيح, يعني: عمل قوم لوط, اتهم به رجل على عهد عمر -رضي الله عنه-, فأمر بعض شباب قريش ألا يجالسوه”. رواه البيهقي في (شعب الإيمان) وعبد الرزاق في (المصنف).
4. عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “كنا في زمن رسول الله ننام في المسجد نقيل فيه ونحن شباب”. أخرجه أحمد في مسنده للدلالة على تعلّق الشباب بالمساجد والتعبّد فيها, حتى إنهم كانوا ينامون فيها فترة القيلولة بعد الظهر.
الاستعانة بالشباب
1. كان “عليه الصلاة والسلام” يستعين بالشباب في غالب الأحيان, فقد أتى نفر من قبيلة عرينة فأسلموا وبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم, ولكن حصل أن نقلوا مرضاً إلى المدينة المنورة كانوا مصابين به فكلف الرسول صلى الله عليه وسلم شباباً من الأنصار ومعهم قائف يتقصّى أثرهم. رواه مسلم عن الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه-, وذلك ليتأكد من هذا المرض.
2. كان شباب من الأنصار, يسمّون بالقرّاء, يكونون في ناحية من المدينة, يحسب أهلوهم أنهم في المسجد ليحفظوا القرآن الكريم, ويحسب أهل المسجد أنهم في أهليهم, فيصلون من الليل حتى إذا تقارب الصبح احتطبوا الحطب واستعذبوا من الماء, فوضعوه على أبواب حجر رسول الله, فبعثهم جميعاً إلى بئر معونة فاستشهدوا, فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على قتلتهم خمسة عشر يوماً في صلاة الغداة. رواه أحمد والبيهقي وابن حبان عن الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه-, أي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختار هؤلاء الشباب لأنهم من القرّاء ومن حفظة القرآن الكريم ليعلّموا وليفقّهوا أهالي بئر معونة, إلا أنهم قد غدروا بهم فقتلوهم, فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الشهداء بالرحمة, ودعا على القتلة الغادرين مدة خمسة عشر يوماً صلاة الفجر.
3. هناك مواقف كثيرة ومتعددة للشباب لأنّ معظم الذين أسلموا في بدء الدعوة الإسلامية كانوا من عنصر الشباب.
الثناء على الشباب
هناك أحاديث نبوية شريفة تثني على عنصر الشباب المؤمنين الملتزمين المجاهدين, منها:
1. “أهل الجنة شباب جرد مرد كحل لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم”. رواه أحمد والترمذي والدارمي عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-.
2. “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة, وأبوهما خير منهما”. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وابن حبان عن الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم.-
3. وفي الأثر (أوصيكم بالشباب خيراً فإني نصرت بالشباب).
الخاتمة
هذا استعراض موجز لبيان مدى أهمية الإسلام للشباب, وبمناسبة اليوم العالمي للشباب نوضّح بأننا ملزمون بالاهتمام بهم من حيث النشأة السليمة والقويمة وتوفير الأجواء الآمنة والأمينة لهم, وحل مشكلة البطالة وبخاصة الشباب الجامعيين, ولا بدّ من التأكيد على أنّ الظروف الصعبة التي تفرض على الشباب من فقر وحرمان تؤثّر عليهم سلباً مما يؤدي إلى العنف والانحراف وتعاطي المخدرات وارتكاب السرقات. وعليه فإنّ العودة إلى التشريع الإسلامي هو صمام الأمان للشباب بخاصة وللمجتمع الإنساني بعامة.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.