حديث الجمعة الديني : الإسلام ويوم الثلاسيميا العالمي
15 سبتمبر، 2016لقد أولى ديننا الإسلامي العظيم عنايته بالاسرة، ورسم لها الأحكام الشرعية الكفيلة ببنائها واستمراريتها وصلاحها، فالأسرة كما هو معلوم، تمثل اللبنة الأساسية والمهمة في بنيان المجتمع الصالح السليم، وكما هو معلوم أيضاً أن الإسلام قد ركز على توفر (التدين والالتزام) في بناء الأسرة لكل من الزوج والزوجة، حيث يقول رسولنا الأكرم محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-: ” إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ” رواه الترمذي، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه- وهو حديث حسن، فهذا الحديث النبوي الشريف صريح في اشتراط (التدين) في الشاب، وأن تفضيل غيره عليه يؤدي إلى فتنة وفساد في المجتمع كله.
ومعنى هذا: أنه لا يجوز تزويج الشاب الذي لا نطمئن الى دينه وخلقه، ويقول رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بحق الزوجة: ” تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ” متفق عليه، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-، ويفهم من هذا الحديث النبوي الشريف أن الشاب مأمور بالبحث عن الفتاة ذات الدين لأن الزوجة الصالحة ذات الدين قادرة على تربية أولادها التربية السليمة وتوجيههم إلى الأخلاق الحميدة وهي أمينة على بيت الزوجية.
وقد عبّر رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ” تربت يداك ” لحث الشاب وترغيبه في اختيار الفتاة الملتزمة دينيا ليتزوجها، ولهذه العبارة تفسير آخر، وهو: أن الشاب إذا لم يتقيد بما أمر به الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- ولم يقصد في زواجه الفتاة الملتزمة دينيا، فإن مصيره الفقر والهلاك.
الحث على الاغتراب في الزواج
يحثّ ديننا الإسلامي العظيم على الاغتراب في الزواج، والابتعاد ما أمكن عن الزواج من القريبات، ليكون المواليد أقوياء جسميا وأذكياء عقلياً، وكان ذلك منذ خمسة عشر قرناً، وقد وردت في ذلك آثار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقوال منسوبة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، منها:
1. ” اغتربوا ولا تضووا “، أي تزوجوا الغرائب، لأن ولد الغريبة أقوى من ولد الزوجة القريبة في غالب الأحيان، ” ولا تتزوجوا القرائب حتى لا يكون النسل ضعيفاً “، ويقال: ضوت المرأة، إذا ولدت ولداً ضعيفاً، فمعنى لا تضووا: لا تأتوا بأولاد ضاوين أي ضعفاء و نحفاء. (من كتاب النهاية لابن الأثير ج: 3 / ص:106و لسان العرب لابن منظور من مادة ضوا).
2. ” لا تزوجوا النساء على قراباتهم فإنه من ذلك القطيعة ” رواه الدارمي، عن الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-، أي من المحتمل أن يحصل خلاف بين الزوجين، مما يؤدي إلى القطيعة بين الأقارب حيث لا تنحصر القطيعة بين الزوجين فقط بل تمتد إلى الأقارب، وفي هذا الحديث الشريف إيجاز بليغ.
3. ” لا تنكحوا القرابة فإن الولد يخلق ضاوياً “، قال ابن الصلاح صاحب كتاب الباعث الحثيث: ” لم أجد له أصلاً معتمداً، إنما يعرف من قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ” أي يخلق الولد ضعيفاً.
وبالإجمال، فإن الحكمة من الاغتراب في الزواج تحسين النسل وتقويته جسمياً وعقلياً، وعدم نقل الأمراض الوراثية بين الأقارب، ومن ذلك مرض الثلاسيميا، وكذلك لإقامة التعارف والتقارب بين شعوب الأرض، والله
-سبحانه وتعالى- يقول: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” سورة الحجرات- الآية13.
الحث على الإنجاب
من الأهداف الرئيسة للزواج الإنجاب الذي يمثل غريرة حب النوع لدى الإنسان، وكما هو معلوم أن رسولنا الأكرم محمداً بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- قد حثّ على الإنجاب بقوله: ” تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ” رواه أبو داود والنسائي، عن الصحابي الجليل معقل بن يسار -رضي الله عنه-، وقال الألباني حول مرتبة هذا الحديث: ” إنه صحيح لطرقه أي لتعدد طرقه في الإنسانية “. (أنظر كتاب مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي ج: 2 / ص:160)، وفي ذلك مواكبة للفطرة الإنسانية لأن الدين الإسلامي هو دين الفطرة، ولا تستقر الحياة الزوجية إلا بإنجاب الأولاد، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، وهو دين الفطرة أيضاً لأنه يقر مبدأ الزواج، ويوجه الغريزة الجنسية في الإنسان من خلال قواعد وضوابط تتعلق بتكوين الأسرة.
لمحة عن مرض الثلاسيميا
إن كلمة ” الثلاسيميا ” هي كلمة يونانية الأصل، وتعني أنيميا البحر الأبيض المتوسط أو فقر دم البحر الأبيض المتوسط.
ويعد مرض الثلاسيميا من الأمراض الوراثية، ولكنه غير معد، وهو يؤدي إلى ضعف في الدم وتكسّر للكرات الحمراء، لذا، فإن المصاب بهذا المرض يحتاج إلى وحدات من الدم بشكل مستمر، ومن مضاعفات هذا المرض أنه يؤثر على نخاع العظم ويضعف من وظيفة الكبد والطحال في الجسم، وإن نسبة كبيرة من الأطفال المصابين بهذا المرض في بلادنا يموتون في سن مبكرة، لعدم توفر العناية الطبية المكثفة، ولعدم أخذ الاحتياطات اللازمة، وكما هو معلوم فإن درهم وقاية خير من قنطار علاج، لذا ينصح الأطباء الشاب والفتاة بإجراء فحص كامل للدم ويعرف برمز 20 B، وذلك قبل إجراء عقد الزواج، للتأكد من سلامة الخاطبين، أو سلامة أحدهما: الشاب أو الفتاة، لأن مرض الثلاسيميا لا ينتقل إلى الأطفال إلا إذا كان كل من الزوج والزوجة حاملين للمرض، أما إذا كان الزوج حاملاً للمرض وكانت الزوجة سليمة منه فإن المرض لا ينتقل إلى المولود، وكذلك الأمر إذا كانت الزوجة حاملة للمرض وحدها وكان الزوج سليماً منه فإن المرض لا ينتقل إلى المولود، وعليه فإن فحص الدم أصبح أمراً ضرورياً لإنجاب أطفال سليمين من الأمراض، وحتى نستطيع القضاء على هذا المرض أيضاً، ليصبح المجتمع نظيفاً منه، والأمل يحدونا ان يختفي هذا المرض بعد سنوات قليلة – إن شاء الله تعالى -، هذا، وقد أعلن يوم الثامن من شهر أيار من كل عام يوماً عالمياً للثلاسيميا لتوعية الناس بشأن الآثار السلبية لهذا المرض، ولبيان كيفية علاجه والتخلص منه.
اقتراحان عمليان
لا يخفى أن معظم الناس كانوا لا يستسيغون إجراء فحوصات مخبرية للشاب والفتاة قبل إجراء عقد الزواج، ويعدون هذه الفحوصات زعزعة ثقة بين الناس !! وهذه ادعاءات غير سليمة وغير شرعية، وقد سبق أن أصدرنا فتوى شرعية بضرورة إجراء هذه الفحوصات، وحتى نخرج من هذا الإشكال من الناحية الجماهيرية فإني أقترح ما يأتي:
أولاً: إقامة ندوات عامة للناس يتم من خلالها شرح السلبيات التي تترتب على هذا المرض، وبيان الحكمة من إجراء الفحص المخبري للزوجين أو لأحدهما، وان جمعية أصدقاء مرضى الثلاسيميا في فلسطين وغيرها من الجمعيات الصحية على استعداد لإقامة لقاءات بهدف التثقيف الصحي للجمهور، مع بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالزواج وحماية الإنجاب وسلامته من الأمراض.
ثانياً: أقترح أن يكون الفحص المخبري للشاب أولا ً، فإن ثبت أنه سليم من الأمراض وأنه لا يحمل مرض الثلاسيميا فليس من الضروري إجراء فحص مخبري للفتاة، أما إن ثبت أن الشاب يحمل مرض الثلاسيميا فلا بد حينئذ من إجراء فحص الدم للفتاة، فإن كانت سليمة من هذا المرض، فيمكن إجراء عقد الزواج بين الشاب والفتاة، أما إن كانت الفتاة تحمل هذا المرض وكان الشاب مصاباً به أيضاً، فلا مجال للزواج بينهما، لأن المواليد منهما، إذا تم الزواج، سيكونون مصابين بهذا المرض، ومن السياسة الشرعية أن يكون الفحص للخاطبين.
هذا، وقد لوحظ في الآونة الأخيرة انخفاض ملموس في عدد المصابين بهذا المرض، وذلك نتيجة الفحص المخبري للخاطبين قبل إجراء عقد الزواج بينهما، ونتيجة للوعي الذي أخذ ينتشر بين الناس أيضاً بحمد الله وشكره، وأتوقع الانتهاء من هذا المرض لدى الجيل الصاعد في حالة الالتزام التام بالفحص المخبري بحيث يخلو مجتمعنا من هذا المرض، وأن يكون المواليد نظيفين منه.
وأخيراً، أدعو الله -سبحانه وتعالى- للزوجين حياة هانئة مستقرة، وأن يرزقهما الله ذرية صالحة، ومواليد سليمين عقلياً وجسمياً.
والحمد لله على نعمة الإسلام
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاء آية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.