حديث الجمعة الديني : الاسلام واليوم العالمي لمحو الأمية
23 سبتمبر، 2016تحتفل دول العالم في الثامن من شهر أيلول ” سبتمبر ” باليوم العالمي لمحو الأمية، حيث تقيم العديد من المحاضرات والندوات ونظمت الفعاليات والنشاطات لمعالجة ظاهرة الأمية المنتشرة في المجتمعات، ولتعزيز برامج القراءة والكتابة وللنهوض بمستوى التعليم والمعرفة
هذا وقد سبق أن أصدر المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم ” اليونسكو ” في دورته الرابعة عشرة القرار رقم 141/1 يعد الثامن من شهر أيلول ” سبتمبر ” يوماً عالمياً لمحو الأمية فذلك في الستينيات من القرن الماضي، كما أعدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 116 / 56 برنامجا لمحو الأمية خلال مدة عشر سنوات من تاريخ 1/ 1/ 2003 م وحتى 31 / 12 / 2012م، وذلك بسبب انتشار الأمية في البلدان النامية.
إحصائيات مذهلة
1. أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم ” اليونسكو ” مؤخراً تقريراً يفيد أن 774 مليون شخص في العالم يعانون من ظاهرة الأمية، وأن ثلثيهم من النساء، مع وجود 72 مليون طفل خارج المدرسة أو في حالة تسرب مدرسي.
2. أصدرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ” الأليكسو ” تقريراً عن واقع الأمية في العالم العربي يبين أن عدد الأميين لدى الفئة العمرية التي تزيد عن 15 سنة في الوطن العربي قد إرتفع، ففي عام 1970 م كان عدد الأميين خمسين مليون شخص بينما أصبح عدد الأميين في عام 2005 م سبعين مليون شخص لا يقرأ ولا يكتب، وأن نصفهم من الإناث !! وكانت بلاد مصر أكثر البلاد انتشاراً للأمية، حيث بلغ عدد الذين لا يقرؤن ولا يكتبون فيها 17 مليون شخص معظمهم من الأرياف والقرى المهمشة، يليها السودان ثم الجزائر وبعدها المغرب، فاليمن.
التسرب والأمية
إن التسرب والأمية أمران إثنان، ولكنهما يقعان في المحصلة النهائية في دائرة واحدة، والمراد بالتسرب هو ترك الطالب أو الطالبة المدرسة خلال المرحلة الإلزامية لأي سبب من الأسباب، وتعرف المرحلة الإلزامية بالمرحلة الأساسية، وأما مدة هذه المرحلة فتقع ما بين ست سنوات إلى عشر سنوات، أي أن هناك دولا لا تزال تعتبر مدة المرحلة الأساسية ست سنوات فقط، وأن معظم الدول يحددها بتسع سنوات، وبعضها يحددها بعشر سنوات، مع الإشارة إلى أن بلادنا فلسطين تحددها بعشر سنوات، أما أسباب التسرب من المدارس في فلسطين وفي الوطن العربي بشكل عام فتعزى لأوضاع اقتصادية ومالية أو لعدم الاستقرار السياسي، أو لظروف عائلية وإجتماعية، وقد ذكرت المنظمات التعليمية أن النسبة العامة للتسرب تقع ما بين 10 ٪ إلى 16 ٪ سنويا من مجموع الطلاب في المرحلة الإلزامية.
والمراد بالأمية: عدم القدرة على القراءة بطلاقة وعدم القدرة على الكتابة السليمة، أما الأمي فهو الذي لا يستطيع توظيف القراءة والكتابة في حياته العملية، وليست لديه القدرة على توظيف العمليات الحسابية الأربع ” الجمع والطرح والضرب والقسمة ” في حياته العملية، ويقاس هذا بمستوى الصف السادس الابتدائي كحد أدنى، أي لم يعد التحرر من الأمية إتقانا للقراءة والكتابة والعمليات الحساسبية فحسب بل لا بد من تحقق القدرة على توظيف هذه المهارات في الحياة اليومية وفي مجالاتها المتعددة، هذا وقد أصبحت مشكلة الأمية مشكلة عالمية نظراً للارتفاع المتزايد فيها، وإذا نظرنا إلى العالم العربي على درجة الخصوص فإن نسبة الأمية فيه بلغت 51 ٪ لدى الذكور، ولدى الإناث 64 ٪، وهي نسبة مرتفعة، والأمر المفاجىء ان نسبة الأمية في تزايد في هذه السنوات، مع أننا كنا نظن ونتوقع انها في انخفاض، إلا أن الإستبانات جاءت بعكس ذلك !!
أسباب زيادة الأمية
هناك مجموعة من العوامل السلبية التي تؤثر على العملية التربوية والتعليمية، وتؤدي بالتالي إلى هبوط في مستوى التعليم وإلى زيادة نسبة الأمية ونسبة ترك الطلاب والطالبات مقاعد الدراسة، وأشير هنا إلى أبرز وأخطر هذه العوامل:
1. عدم التحاق جميع الأطفال بالمدرسة عند بلوغهم السن القانونية.
2. تخفيض الدولة لميزانية التعليم: من المؤسف ومن المؤلم أن معظم الدول في العالم العربي وفي دول العالم الثالث حين تحس بالعجز في الميزانية العامة فإنها تعمد أول ما تعمد إلى تخفيض ميزانية التعليم، مما يؤدي إلى الإستغناء عن مئات المعلمين والمعلمات، وإغلاق مئات الشعب الصفية، وبالتالي فإن الآلاف من الطلاب والطالبات يجدون أنفسهم خارج مقاعد الدراسة.
3. الأوضاع السياسية العامة: إن اضطراب الأوضاع العامة يؤدي بطريقة مباشرة إلى عدم استقرار الحياة المدرسية التعليمية.
4. الأوضاع الاقتصادية: لقد تسرب عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات من المدارس لعدم قدرة أرباب الأسر الإنفاق على أولادهم، مما أدى إلى إضطرار الأولاد للتوجه إلى العمل لإعانة الأسر، وإلى ترك المدرسة.
5. المدرسة وما يتعلق بها من الإدارة والمعلمين والمناهج والامتحانات: فالإدارة تتحمل المسؤولية عن تسرب الطلاب من المدرسة، إذا لم تتمكن من إيجاد الجو العلمي المناسب للطلاب، وكذلك يتحمل المعلمون والمعلمات جزءاً من المسؤولية لأن المعلم الناجح هو الذي يقود العملية التربوية ويجذب الطلاب ويحببهم إلى الدراسة، وكذلك المناهج التدريسية ومدى ملاءمتها للأوضاع الراهنة ومدى مواكبتها لطموحات الأجيال الصاعدة، فإذا كانت المناهج عقيمة فانها تؤثر سلباً على الطلاب، وكذلك الامتحانات التي تشكل رعباً وخوفاً ورهبة في نفوس الطلاب، فلا بد من إعادة النظر في أسلوب وطريقة ونهج الاختبارات بحيث ننزع الخوف من نفوس الطلاب، وأن تكون الامتحانات للتقييم وللتشويق.
6. الأسرة (الأب والأم والأخوة والأخوات): هناك تقاليد اجتماعية وعائلية تحول دون استمرار الفتيان والفتيات في تلقي التعليم، فالفتيان يتركون المدرسة بسبب سوء التربية وبسبب الإهمال وعدم المبالاة، وكذلك الفتيات فإنهن يتركن الدراسة بسبب الزواج المبكر أو إلزام الفتاة البقاء في البيت بعد سن معينة، والملاحظ أن نسبة التسرب لدى الطالبات أعلى من نسبة التسرب لدى الطلاب، مع أن الطالبات يتفوقن في الدراسة على الطلاب.
الإسلام وإلزامية التعليم
لقد اعتبر ديننا الإسلامي العظيم التعليم حقاً لكل مواطن، بل هو إجباري أي إلزامي، كما اعتبره مجاناً أيضاً، أي أن الدولة ملزمة بتهيئة فرص التعليم للمواطنين حتى مرحلة معينة دون مقابل، وهناك نصوص شرعية ووقائع حضارية تؤكد ذلك، أذكر بعضا منها:
1. قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” طلب العلم فريضة على كل مسلم ” رواه ابن ماجه والبيهقي، عن الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه-، فهذا الحديث النبوي الشريف جاء بلفظ عام، لذا فهو يشمل الذكر والأنثى على حد سواء، فلا مجال لتفشي الأمية في المجتمع.
2. قال الرسول الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: ” مَن كتم علماً مما ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار ” رواه ابن ماجه، عن الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، وذلك للدلالة على أن المسلم ملزم بتعليم غيره، ونشر العلم بين الناس.
3. أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- سراح بعض الأسرى في معركة بدر (سنة 2 هجرية الموافق 623 ميلادية) مقابل أن يعلم كل أسير من مشركي مكة عشرة أولاد من أهل المدينة المنورة.
4. كلف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عدداً من أعوانه ومساعديه بفحص الناس فمن وجدوه لا يعرف القراءة ولا الكتابة ألزموه بذلك، فمن هذه النصوص الشرعية والنماذج الحضارية يتضح كيف أن الإسلام كان حريصاً على نشر العلم بين المواطنين، واعتبره إلزامياً وبالمجان من خلال المساجد والمدارس والجامعات والمكتبات ودور القرآن الكريم ودور الحديث الشريف وغيرها، فلم تنشأ في المجتمع ظاهرة الأمية.
آيات قرآنية كريمة في الحث على التعليم
هناك العشرات من الآيات الكريمة التي تحث على التعليم وترغب فيه، وترفع من منزلة العلماء، فمن هذه الآيات (مرتبة حسب ورودها في القرآن الكريم):
1- قال الله -عزّوجل-: ” وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ” سورة التوبة (براءة)- الآية122.
2- قال الله -تعالى- : ” وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ” سورة طه- الآية114.
3- قال الله -سبحانه وتعالى- : ” قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ” سورة الزمر- الآية9.
أحاديث نبوية شريفة تحث على العلم والتعليم
1- قال رسول الله – عليه الصلاةوالسلام -: ” من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له طريقاً إلى الجنة ” رواه مسلم، عن الصحابي الجليل أبي هريرة – رضي الله عنه-.
2- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ” من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع ” رواه الترمذي، عن الصحابي الجليل أنس بن مالك – رضي الله عنه –
3- قال الرسول الأكرم محمد – صلى الله عليه وسلم: ” فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، وإن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير ” رواه الترمذي، عن الصحابي الجليل أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-.
4- قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ” رواه مسلم، عن الصحابي الجليل أبي هريرة -رضي الله عنه-.
توجيهات نبوية في الحث على تعليم الإناث
من المعلوم بداهة أن الإسلام قد حث على تربية وتعليم الأولاد ذكوراً وإناثاً بشكل عام، وأن النصوص الشرعية من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة قد جاءت بصيغ عامة، ولكن هناك أحاديث نبوية شريفة تضمنت توجيهات نبوية على وجه التخصيص في وجوب العناية بالإناث والاهتمام بتربيتهن وتعليمهن، فيقول رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ” من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن، وسقاهن، وكساهن من جدته، كن له حجاباً من النار ” رواه أحمد، عن الصحابي الجليل عقبة ابن عامر -رضي الله عنه-.
معالجات لمحو الأمية
1- عناية الدول بالتعليم، ورصد الميزانيات الكافية لذلك وعدم تقليصها.
2- إلزام الأطفال بالالتحاق بالمدارس عند بلوغهم السن القانونية، ومحاسبة الآباء حين تقصيرهم.
3- ضرورة المتابعة المستمرة لأوضاع الطلاب والطالبات في المدارس من النواحي التربوية والتعليمية والسلوكية والاجتماعية لمنع وقوع تسرب في المدارس.
4- إعادة النظر في المناهج الدراسية بما يتفق ومتطلبات أوضاعنا العامة ومراعاة قيمنا وحضارتنا وتاريخنا وجذورنا.
5- العناية باللغة العربية باعتبارها اللغة الأم، ومن خلال تدريس المساقات الأخرى.
6- إعادة النظر في طريقة الامتحانات التي تشكل عامل رعب وخوف في نفوس الطلاب.
تكثيف مراكز لمحو الأمية في الريف للشباب والشابات، ونشر التوعية في المجتمع بضرورة مكافحة الأمية من خلال أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة.اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.