عِكرمة صبري

أعلنت منظمة الصحة العالمية في عام 2006م أن يكون العاشر من شهر أيلول (سبتمبر) في كل عام يوماً عالمياً لمكافحة الانتحار، وذلك بعد أن تفاقمت ظاهرة الانتحار عالمياً حيث أشارت آخر الاحصاءات إلى أن أكثر من مليون شخص يقدمون على قتل أنفسهم (أي ينتحرون) كل عام !! وأن شخصاً واحداً في العالم يتخلص من حياته كل أربعين ثانية، وهذه نسبة تفوق معدلات بسبب جرائم القتل العمد، وحتى الحروب!!
كما تبين الدراسات الدولية أن الانتحار يُعد السبب الرئيس للموت المبكر بين المراهقين والبالغين دون سن الخامسة والثلاثين، وتسعى ثلاث منظمات دولية وهي: (منظمة الصحة العالمية والرابطة الدولية لمنع الانتحار ومؤسسة الانتماء الوطني لحقوق الانسان) علاج موضوع الانتحار وذلك بتوفير خدمات الرعاية المجتمعية وتقديم العلاج المناسب لاولئك الذين يقعون في أزمات صعبة، وحث الحكومات في العالم على مساعدة المواطن في الحصول على لقمة عيش كريمة ومعالجة الفقر لتفادي دوافع الانتحار.

أسباب الانتحار
هذا ويمكن الاشارة إلى بعض أسباب الانتحار كما حددتها منظمة الصحة العالمية:
1- الأمراض النفسية والعقلية مثل: الاكتئاب وانفصام الشخصية.
2- الادمان على تناول المخدرات وشرب الكحول المحرمة.
3- مشكلات العمل، وافلاس التجار.
4- مرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز).
5- وفاة عزيز.
6- الفشل في الدراسة، أو الفشل في الحياة الزوجية.
وغيرها من أسباب اجتماعية أو اقتصادية أو صحية.

تحريم الاسلام للنتحار

لقد حرم الدين الاسلامي الانتحار منذ خمسة عشر قرناً ، وذلك على اعتبار أن “الروح” مصانة ومحترمة، وليس ملكاً للانسان وحده، بل هي ملك للمجتمع، وأن الله عزّوجل هو الذي يمنح “الروح” وهو الذي يقبضها.
وقد نهى الله عزّوجل عن قتل النفس بقوله: ” وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا “-سورة النساء الآية 29. بالإضافة إلى أن القرآن الكريم قد حرم القتل وحرم الاقتتال في عشرات الآيات الكريمة.
حديث نبوي شريف
يقول الرسول محمد –صلى الله علسه وسلم- : “من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسّى سماً فقتله فسمّه في يده يتحسّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً” .أخرجه البخاري في باب الطب رقم: 5778، ومسلم في باب الايمان رقم 296 عن الصحابي الجليل أبي هريرة –رضي الله عنه

معاني المفردات

تردّى: أسقط نفسه، تحسّى: شرب وتجرع، سماً: كل مادة قاتلة
حديدة: آلة القتل والقتال وتكون عادة من معدن الحديد
جهنم: من أسماء نار الآخرة- يتوجأ: يطعن وفي رواية يجأ بفتح حرف الياء وتخفيف الجيم، والمعنى واحد
المعنى العام للحديث الشريف
الانتحار هو أن يزهق الانسان روحه، أي أن يقتل نفسه، والانتحار لفظ مشتق من الفعل (نحر) بمعنى ذبح. ويتخذه بعض الجبناء وسيلة للهروب من الحياة حيث لا يقوى المنتحر على تحمل المسؤولية ومجابهة مشاكل الحياى الخاصة منها أو العامة. فالحديث النبوي الشريف الذي نحن بصدده ينص على تحريم الانتحار وعلى مصير المنتحر الأخروي، فقد ذكر لنا النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الشريف ثلاث حالات تتم بها عملية الانتحار مبيناً العقوبة الشديدة التي سيلاقيها المنتحر ، وذلك بتخليده في نار جهنم ، وهذه الحالات هي:
1- الحالة الأولى: هي السقوط من الجبل، بقصد أن يقتل نفسه، فيعذب في اليوم الآخر بالكيفية التي انتحر بها.
2- الحالة الثانية: هي شرب السم ليقتل نفسه، كأن يشرب مادة الفيليدول أو أي مادة أخرى تؤدي بشاربها إلى الهلاك، فإنه يعذب في الآخرة بالكيفية التي انتحر بها.
3- الحالة الثالثة: هي الانتحار بآلة حديدية قاتلة مثل سكين أو سيف أو رمح أو مسدس وما يشبهها، فإن المنتحر يعذب يوم القيامة بالكيفية التي انتحر بها.

حالات على سبيل المثال

إن الحالات التي ذكرت في الحديث النبوي الشريف قد وردت على سبيل المثال لا الحصر، وينطبق عليها كل حالة يرتكبها الشخص بهدف أن يقتل نفسه وتؤدي به إلى الوفاة كالانتحار بالغرق أو بالشنق أو بالكهرباء ونحو ذلك.
مصير المنتحر الاخروي
لقد بحث علماء العقيدة والتوحيد في مصير المنتحر : هل أن المنحر يخلد في النار أم أنه يعاقب في النار ثم يخرج منها؟ أجاب علماء المعتزلة: إن المنتحر يخلد في النار عملاً بظاهر نص الحديث الشريف لأنه من أصحاب المعاصي ولو كان مسلماً.
وأما أهل السنة فقالوا: إن أهل التوحيد لا يخلدون في النار بل يعذبون فيها ثم يخرجون منها، أما مدة المكوث في النار فإنها تعتمد على نوعية المعصية ، وان الحديث النبوي الشريف فيه كناية عن شدة العذاب وطول المكث في النار واعتمدوا في ذلك على تفسيرهم للآية الكريمة: ” إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ” سورة النساء- الآية 115. أي أن الله عزّوجل لا يغفر للمشركين ولكنه يغفر للموحدين المسلمين بعد أن ينالوا جزاءهم مما اقترفوه من المعاصي.

صلاة الجنازة على المنتحر

وإتماماً للفائدة نذكر آراء الفقهاء بشأن صلاة الجنازة على المنتحر فقال الجمهور: تجوز الصلاة عليه لانه لم يخرج بذلك من ربقة الاسلام ولأن دمه قد ذهب هدراً كما لو مات حتف أنفه وإثمه عليه، ورأي آخر يقول بالكراهة، ومن الذين قالوا بذلك: عمر بن عبد العزيز الاوزاعي، وأما أبو يوسف من الحنفية فقال: بعدم الصلاة عليه لانه ظالم لنفسه فيلحق بالباغي وقاطع الطريق.
أما الذي يحاول الانتحار ولم يصل إلى هدفه : كمن يسقط نفسه بالبحر ليغرق فتتلقفه أيدي السباحين أو كمن يشعل النار في جسده فتتداركة أيدي الجيران فإن الدولة تعاقبه بالتعزير بعد أن تعالجه جسمياً ونفسياً ومالياً، إن كان محتاجاً لذلك، أما المنتحر فعقوبته أخروية لانه لا مجال للعقوبة الدنيوية بعد تنفيذ مراده.
فقه الحديث النبوي الشريف
1- الانتحار بمختلف أشكاله حرام شرعاً.
2- يعاقب المنتحر في نار جهنم في اليوم الآخر بالكيفية التي انتحر بها.
3- الحالات المذكورة في الحديث الشريف لا تفيد الحصر بل وردت على سبيل المثال، فهنالك حالات متعددة ومتجددة في مجال الانتحار.
4- يخلد المنتحر في النار ، على رأي المعتزلة، أو يمكث فيها طويلاً على رأي أهل السنة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.