حديث الجمعة الديني : التجديد والتحديث في الاسلام – الحلقة الثانية
2 أكتوبر، 2016ينقسم التشريع الاسلامي من حيث الثبات والمرونة الى قسمين:
القسم الاول: وهو عبارة عن مبادىء عامة وقواعد عريضة للحياة،
وتشمل اصولا كلية
تحدد الهيكل العام للمجتمع، وان مجال هذه القواعد والاصول، هو: العقيدة واركان الايمان
واركان الاسلام والاخ�لاق والقيم السامية، وذلك لتتسم الشريعة الاسلامية بالديمومة
والاستقرار والثبات، بحيث لا تقبل التغيير ولا التبديل ، فلا بد من التقيد بالنصوص
الشرعية بشأنها، ولا مجال للاجتهاد في مورد النص، مثل الايات الكريمة التي تنص على
الصلاة والزكاة والصوم والحج، وكذلك الايات الكريمة التي تنص على التوحيد وعدم
الاشراك بالله، وتنص على الايمان بجميع الانبياء والمرسلين وبالكتب السماوية واليوم
الآخر.
القسم الثاني: يشمل الفروع والجزئيات التفصيلية والامور المستجدة والمستحدثة التي
يتعذر حصرها ومعرفة عددها لكثرتها وتنوعها فهي تتعلق بالاحكام الشرعية الاجتهادية
القابلة للتغير حسب الظروف والاحوال والعلل والاسباب، وذلك من خلال الاجتهاد الذي
يشمل: الاجماع والقياس والمصادر التشريعية الفرعية الاخرى كالاستحسان والمصالح المرسلة
والعرف، وبفضل الاجتهاد اصبح الفقه الاسلامي بحرا زاخرا من العلوم والمعارف ويضم بين
دفتيه: الموسوعات التي عجزت عن مجاراتها سائر القوانين والانظمة والثقافات الاخرى في
العالم «انظر على سبيل المثال: كتاب اعلام الموقعين لابن قيم الجوزية، والمدخل الى علم
اصول الفقه للدكتور معروف الدواليبي ص 71 ، واصول الفقه للاستاذ الدكتور بدر متولي
عبدالباسط ص 9، وخلاصة التشريع الاسلامي للشيخ عبدالوهاب خلاف ص 28 .
نماذج تطبيقية
هناك ثمة نصوص تطبيقية من الكتاب والسنة تعرض مبادىء ثابتة في التوحيد واركان
الاسلام الخمسة والقيم المعنوية والمبادىء الخلقية التي لا مجال ان تتغير او ان تتبدل مع
مرور الزمن والظروف مهما كانت، فمن هذه النصوص قوله عزوجل في سورة الاخلاص «قل
هو الله احد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد » الايات 1 – 4. وقوله « يا
ايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين »
سورة النساء الاية 34 . وقوله «ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا، ايحب احدكم ان يأكل
لحمه اخيه ميتا فكرهتموه » سورة الحجرات الاية 12 . وقوله «وقضى ربك الا تعبدوا الا
اياه وبالوالدين احسانا » سورة الاسراء الاية 23 . وقوله «واوفو بالعهد ان العهد كان مسؤولا »
سورة الاسراء الاية 34 وقوله «يا ايها الذين امنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا اماناتكم »
سورة الانفال الاية 37 . وقوله «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان »
سورة المائدة 3. وقوله «وشاورهم في الامر » سورة آل عمران الاية 159 وقوله «وامرهم شورى
بينهم » سورة الشورى الاية 38 .
ومن الاحاديث النبوية الشريفة: قوله عليه الصلاة والسلام لا يؤمن احدكم حتى
يحب لاخيه ما يحب لنفسه » رواه البخاري ومسلم عن الصحابي الجليل انس بن مالك
رضي الله عنه.
وقوله صلى الله عليه وسلم «الظلم ظلمات يوم القيامة » متفق عليه عن الصحابي
الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وقوله : «المستشار مؤتمن » اخرجه البخاري
في الادب المفرد وابو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم واسناده صحيح عن الصحابي
الجليل ابي هريرة رضي الله عنه وقوله «لا ضرر ولا ضرار » حديث حسن رواه ابن ماجه
والدارقطني عن الصحابي الجليل ابي سعيد الخدري رضي الله عنه واورده الامام مالك في
كتابه )الموطأ( مرسلا: عن عمر بن يحيى عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسقط
في السند الصحابي )ابي سعيد( وللحديث طرق اخرى يقوي بعضها بعضا.
هذه مجموعة من الآيات الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة على سبيل المثال لا الحصر
والتي تحمل للانسانية جميعها قواعده وكليات ثابتة في التشريع لا يعتريها التغيير وانما
التغيير يكون في المسائل والقضايا المستجدة التي تقع في المجتمع وفي الحياة العملية في
كل زمان ومكان، وهي منوطة بالفقهاء لاستنباط الاحكام الفقهية الفرعية لها وذلك من
خلال الاجتهاد، وان الفقهاء المجتهدين مثابون من الله عز وجل سواء اصابوا في اجتهادهم
او لم يصيبوا، فقد خرج الشيخان )البخاري ومسلم( عن الصحابي الجليل عمرو بن العاص
رضي الله عنه انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «اذا حكم الحاكم فاجتهد
ثم اصاب فله اجران. فاذا حكم ثم اخطأ فله اجر » متفق عليه.
والاجتهاد كما هو معلوم يمثل روح التطور والمرونة في الاسلام، وله شروط وضوابط
ومجالات.
لمحة عن الاجتهاد
تعريف الاجتهاد )لغة( بذل الجهد فيما فيه مشقة )اصطلاحا( بذل الجهد في استنباط
الاحكام الشرعية من ادلتها التفصيلية.
انواع الاجتهاد
١- اجتهاد بياني: وهو يتعلق بفهم وشرح وتحليل النص المبحوث فيه.
٢- اجتهاد قياسي – وهو يتعلق بتحديد العلة )السبب( الموجبة للحكم، وكما هو معلوم
ان الاجتهاد القياسي فيه بذل للجهد اكثر من الاجتهاد البياني. )انظر كتاب المدخل الى
علم اصول الفقه. ص ٧٥ وكتاب الخلاف الفقهي – دراسة في المفهوم والاسباب والاداب ص
٥٥ و ص ٥٦ .
حكم الاجتهاد