حديث الجمعة الديني : المرأة والدعوة- الحلقة الثانية
23 سبتمبر، 2016المسألة الثانية: مساهمة المرأة بالمال
إن المرأة تساهم بمالها في سبيل الدعوة إلى الله عزّوجل فقد أخرج البخاري في صحيحه عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما “أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- خرج ومعه بلال فظن أنه لم يُسمع النساء فوعظهن وأمرهنّ بالصدقة فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم، وبلال يأخذ في طرف ثوبه”- أخرجه البخاري في صحيحه- باب عظة الإمام النساء وتعليمهن- انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري للعسقلاني ج1 ص:192 وعمدة القارئ شرح صحيح البخاري للعيني ج1 ص:192 وكتاب امتاع الأسماع للمقريزي ص:153 وص: 446. يستدل من هذا الحديث النبوي الشريف ثلاثة أمور: الأمر الأول- تعليم ووعظ النساء، والأمر الآخر مشاركة المرأة ومساهمتها بالمال في سبيل الدعوة إلى الله، والأمر الثالث أن صفوف النساء كانت خلف صفوف الرجال.. وفي حديث شريف آخر أن زينب زوجة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله –صلى الله علسه وسلم- تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن.
المحور الثالث
محاضرة المرأة ووعظها في الرجال والنساء
أرى أنه لا مانع شرعاً أن تقوم المرأة بإلقاء المحاضرات والوعظ في الرجال والنساء مع مراعاة أن تكون المرأة المحاضرة محتشمة، وأن تكون النساء في الصفوف الخلفية كما هو الترتيب المتبع في المساجد، وهذا هو الأصل ، وعلى المسلمين أن يحرصوا على ذلك.
الأدلة على جواز محاضرة المرأة
1- إن عدداً وفيراً من الصحابيات كنّ متحدثات وراويات للأحاديث النبوية الشريفة كما كنّ متفقهات في الأحكام الشرعية، وأذكر في هذا المقام عدداً من أسماء الصحابيات على سبيل المثال لا الحصر:
أمهات المؤمنين(عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وجورية بنت الحارث، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان)، وزينب بنت أبي سلمة، وأم مبشر بنت البراء الأنصارية، وفريعة بنت مالك بن سفان، وأسماء بنت عميس، وخولة بنت حكيم، وخنساء بنت خِذام الأنصارية الأسدية وغيرهن مما يزيد عن العشرات- رضي الله عنهنّ جميعاً، وكنّ يأخذن الرواية عن الرجال، كما أن الرجال كانوا يأخذون عن النساء، ويستدل على ذلك أنه يجوز للمرأة أن تحاضر وأن توعظ في الرجال، ومن باب أولى أن تحاضر وتعظ المرأة في النساء.
2- إن عدداً وفيراً من الصحابيات أيضاً كنّ مجاهدات وممرضات وطيبات أذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر: الربيع بنت المعوذ الأنصارية ، وأم عطية نسيبة بنت كعب الأنصارية، وأم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية، وكعيبة بنت سعد الأسلمية وأم سنان الأسلمية وأميمة بنت قيس الغفارية ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ورفيدة الأسلمية، وغيرهن –رضي الله عنهن أجمعين.
وأقول: إن طبيعة عملهن أن يجري الكلام بينهن وبين الرجال ويستدل على ذلك أنه يجوز أن تحاضر المرأة في الرجال، من باب أولى أن تحاضر المرأة في النساء.
3- إن عدداً وفيراً من الصحابيات كنّ شاعرات وأديبات، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر: سفانة بنت حاتم الطائي، والخنساء (تماضر بنت عمرو السلمية)، وصفية بنت عبد المطلب بن هاشم، وسكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، ونائلة بنت القرافصة بن الأحوص الكلبية،ن وهند بنت عتبة بن ربيعة، وأروى بنت عبد المطلب، وغيرهن –رضي الله عنهن جميعاً- وقد كنّ يحضرن مجالس الرجال، كما كان الرجال يحضرون مجالسهن، وتجري بينهم المبارزات الشعرية، ويحصل بينهم أيضاً النقد والنقاش في نتاجهم الأدبي.
4- لقد ورد أن احدى الصحابيات كانت تتجول في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فقد جاء في كتاب الاستيعاب لابن عبد البر أن الصحابية الجليلة سراء بنت نهيك الأسدية رضي الله عنها أدركت النبي –صلى الله علسه وسلم- وعمّرت، وكانت تمرّ بالأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس بسوط كان معها. يؤخذ من ذلك أنه يجوز للمرأة أن تعظ الرجل، وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأن تعاقب من يخرج عن الآداب العامة، أو من يرتكب مخالفة شرعية.
أقول: لقد ذكرتُ أسماء مجموعة من الصحابيات في مجالات متعددة وقد كنّ يتصرفن بموافقة من الرسول –صلى الله عليه وسلم- أو بمرأى ومسمع منه أو بعلم منه، وهذا يعني أن تصرف الصحابيات هو تصرف مشروع حيث لم ينكر عليهن هذه التصرفات التي تعدّ إقراراً منه، بل كان يثني على كثير من مواقفهن وأعمالهن، مثل ثنائه على أم عمارة، وعلى الخنساء أيضاً.
بغض النظر سواء كانت مخاطبة النساء للرجال من وراء حجاب أو بشكل مباشر، والسؤال: حينما كانت الصحابية أم عمارة تجاهد وتدافع عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- في معركة أحد، هل كانت من وراء حجاب؟ وهل كانت الصحابية كعيبة الأسلمية تعالج الصحابي سعد بن معاذ من وراء حجاب؟ وهل كانت سكينة بنت الحسين تجالس الشعراء والأدباء وتناقشهم من وراء حجاب؟
وعليه وقياساً على ذلك فإن المرأة في هذه الأيام يحق لها أن تخاطب الرجال، وأن تحاضر فيهم بشكل مباشر، وبدون حجاب، مع مراعاة الاحتشام والآداب الإسلامية، والله تعالى أعلم.
اللهم فقّهنا في الدين وعلّمنا التأويل وارزقنا اليقين.
“والله يقول الحق وهو يهدي السبيل” سورة الأحزاب-الآية 4.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.