حديث الجمعة الديني: “اليوم العالمي للمكفوفين”
17 ديسمبر، 2016
المكفوف هو الذي كف بصره أي لم يعد يرى وهو كفيف أيضاً.
وجمع مكفوف: مكفوفون، وجمع كفيف أكفاء ( بتشديد الفاء).
الضرير: الذي أصابه ضرر بعينه فذهب بصره فأصبح لا يرى. والجمع ضريرون وأضراء.
الأعمى: من العمى وهو ذهاب البصر، وجمع الأعمى: عميان وعمى. وقد ورد لفظ (الأعمى ) في القرآن الكريم ثلاث مرات، أما بالمدلول المعنوي، بمعنى الضلالة وعدم الهداية، فقد ورد هذا اللفظ اثنتين وثلاثين مرة، فالأعمى هو أعمى البصيرة. ( كتاب مختار الصحاح للرازي والمصباح المنير للفيومي والمعجم الوسيط لمجموعة من العلماء: مادة كفف وضرر وعمى).
تكريم العالم للكفيف
يصادف هذا اليوم ( الجمعة) وفق العاشر من شهر تشرين الأول ( أكتوبر): اليوم العالمي للمكفوفين، حيث تحتفل دول العالم بهذا اليوم سنوياً من خلال إقامة الفعاليات وعقد الندوات بهدف تعزيز مكانة المكفوفين في المجتمع ومشاركتهم ودمجهم في مختلف ميادين الحياة، وقد حرص عدد من الدول على الاستفادة من مواهب وقدرات المكفوفين في مجالات الزراعة والتربية والتعليم وغيرها، ولا بد من الإشارة إلى أن ديننا الإسلامي العظيم قد سبق أن كرم الكفيف قبل خمسة عشر قرناً.
تكريم القرآن الكريم للكفيف
- قال سبحانه وتعالى: ” عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى .وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى . أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ” سورة “عبس” الآيات 1-4. وسبب نزول هذه الآيات الكريمة يتلخص بما يأتي: لقد كان رسولنا الأكرم -محمد صلى الله عليه وسلم- مشغولاً مع زعماء قريش أمثال عتبة بن ربيعة وأبي جهل والوليد بن المغيرة، وكان – عليه الصلاة والسلام- يطمع في إسلامهم وعلى أمل أن يسلم أتباعهم أيضاً، فبينما هو منشغل معهم إذ جاءه عبد الله ابن أم مكتوم ( وكان أعمى) فقال يا رسول الله، أرشدني وعلمني مما علمك الله وكرر ذلك وهو لا يعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مشغول مع القوم فكره الرسول – عليه الصلاة والسلام- مجيئه وعبس وأعرض عنه وتجاهله. فنزلت هذه الآيات الكريمة لتوضح بأن هذا الأعمى هو أفضل من أولئك الزعماء المعاندين المعارضين عن الحق والمتمسكين بالكفر والشرك.
- قال عز وجل في سورة النور ” لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ” -الآية 61-. فهذه الآية الكريمة نزلت بحق أهل الأعذار الذين لا يستطيعون الخروج للجهاد وذلك مراعاة لظروفهم، والأعمى من ضمنهم، وإنما يمكن أن يساهموا في أمور تتعلق بمقدمات للجهاد وبخدمة المجاهدين حسب طاقاتهم وإمكاناتهم. وقوله سبحانه وتعالى أيضاً في سورة الفتح ” لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ” -الآية 17. أي ليس على هؤلاء حرج ولا إثم ولا عقاب في عدم مشاركتهم وخروجهم للجهاد،
الرسول وتكريمه للكفيف
كان ( عليه الصلاة والسلام) يكرم عبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه- إذا جاءه ويقول له مرحبا بمن عاتبني فيه ربي” وقد استخلفه على المدينة المنورة مرتين حينما كان – عليه الصلاة والسلام- يخرج من المدينة المنورة للجهاد، ويعد عبد الله بن أم مكتوم من المهاجرين الأوائل إلى المدينة المنورة، هذا وكان بن أم مكتوم يرفع الآذان فجراً في شهر رمضان المبارك، بتكليف من الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يمسكون عن الطعام حين يسمعون الآذان ينطلق من ابن أم مكتوم.
الخلفاء والفقهاء يكرمون الكفيف
- كان الخلفاء الأمويون والخلفاء العباسيون يكرمون المكفوفين ويخصصون لكل واحد منهم قائداً ليقوده، وإن تاريخ الحضارة الإسلامية حافل بنماذج كثيرة.
- وأما الفقهاء فقد رخصوا للمكفوفين بعدم حضور الجمعة والجماعات حالة عدم قدرتهم على الوصول إلى المسجد أو إذا لاقوا مشقة في ذلك وليس عليهم إثم في تخلفهم للجمع والجماعات، حيث أن المكفوفين يعدون من أصحاب الأعذار.
أعلام بارزون
لقد برز عبر تاريخ الحضارة الإسلامية علماء أعلام، من المكفوفين وأبدعوا في نشاطات متنوعة، وأشير إلى عدد منهم على سبيل المثال لا الحصر.
- الصحابي الجليل عبد الله ابن أم مكتوم – توفي سنة 15ه/ 636م.
- أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي – المحدث الشهير وهو من أصحاب السنن توفي سنة 279هـ/ سنة 892م.
- الشاعر بشار بن برد، وهو أكمه – أي ولد أعمى – فكل أكم كفيف وليس كل كفيف أكمه، وكان من الشعراء المشهورين في العصر الأموي، وبخاصة في مجال الوصف والهجاء وتوفي سنة 167هـ/ 783م.
- الشاعر والفيلسوف أبو العلاء المعري: كف بصره وهو في الثالثة من عمره، له ديوان شعر، وكتاب رسالة الغفران، ويعد من أشهر الفلاسفة والشعراء في العصر العباسي وتوفي سنة 449هـ/ 1058م
- الدكتور طه حسين- عميد الأدب العربي، له عدة كتب منها: كتاب الأيام وتولى وزارة المعارف بمصر- وتوفي سنة 1393ه/ 1973م.
- الشيخ عبد العزيز بن باز- مفتي الديار الحجازية- وتوفي سنة 1420ه/1999م.
- الشيخ عبد الحميد كشك: من خطباء مصر المشهورين، وتوفي سنة 1428ه/ 2007م.
علماء مكفوفون من فلسطين
- الشيخ سليمان التاجي الفاروقي من مدينة الرملة بفلسطين وكان عالماً وخطيباً مفوهاً. وتوفي سنة 1377ه/1958م
- الشيخ عبد الكريم الكحلوت- مفتي غزة سابقاً- توفي يوم 24 ربيع الثاني 1435ه 24/2/2014م.
- الدكتور عدنان عثمان جواريش – أستاذ الأدب في جامعة الخليل بفلسطين ولا زال على رأس عمله.
- الدكتور محمود العطشان- جامعة بيرزيت.
- الدكتور سليمان السطري- الجامعة الإسلامية بغزة.
- الدكتور رمضان الشاعر- الجامعة الإسلامية بغزة.
- الشيخ حسن جابر- مفتي رفح/ قطاع غزة.
- الدكتور هشام أحمد فرارجة- جامعة بيرزيت.
- الدكتور عازم عساف- جامعة بيرزيت.
- الأستاذ خليل رابعة- مدرس متقاعد.
وهناك المئات من الخطباء والمقرئين وأساتذة الجامعات المكفوفين في فلسطين وفي أنحاء العالم الإسلامي ولا مجال لحصرهم في هذه العجالة.
مقترحات لخدمة المكفوفين
بمناسبة اليوم العالمي للمكفوفين أضع بعض المقترحات لخدمة هذه الشريحة من لمجتمع لتفعيلها ولدمجها مع المبصرين:
- تخصيص ميزانية مالية سنوية لطباعة كتب ومراجع على طريقة برايل في المجالات العلمية والأدبية حتى يتمكن الكفيف من الاستفادة منها، وكذلك الكتب المدرسية والجامعية.
- تكثيف المحاضرات ودروس التوعية التي من شأنها أن تصحح نظرة الناس إلى الكفيف، وأنه عنصر فعال ومفيد، وأن نأخذ بيده ليندمج في المجتمع وأن لا يكون منعزلاً عن الناس.
- تطبيق نسبة 5% في التعيينات للمكفوفين كما أقرت ذلك اللوائح الدولية.
- أن يتم تركيب أجهزة صوتية مع الإشارات الضوئية في الطرقات والشوارع العامة حتى يتمكن الكفيف من المرور عبر الشارع وقطع الطريق بأمن وسلامة، وحتى يتمكن أيضاً من ركوب الحافلات والسيارات بسهولة.
أسف ورجاء
نأسف لإغلاق المدرسة العلائية في مدينة بيت لحم منذ شهر كانون الأول لعام 2015م، والتي مضى على تأسيسها أكثر من سبعة عقود ونصف، والتي سبق أن تخرج منها المئات من المكفوفين الذين تبوؤا مواقع مهمة في المجتمع، ولذا نأمل من أصحاب القرار إعادة فتح هذه المدرسة العريقة!.
ونأمل من الدول والمؤسسات الإنسانية والقانونية إعطاء عنايتها للمكفوفين والأخذ بأيديهم للاستفادة من مواهبهم وطاقاتهم الكامنة، والله مع العاملين.
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل وارزقنا اليقين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.