حديث الجمعة الديني : انحباس الأمطار وهطولها
22 سبتمبر، 2016المقدمة
من بركات الله سبحانه وتعالى على هذه البلاد المقدسة أن جاء موسم الشتاء في هذا العام مبكراً، ونحن إذ نستقبل موجات متوالية من الأمطار والثلوج نسأل الله عزّوجل أن تكون صيباً نافعاً مباركاً. ورغم التقدّم العلمي والتكنولوجي والتقني الذي يشهده العالم إلا أنّ العلم يقف عاجزاً أمام ظاهرة هطول الأمطار أو انحباسها ، فالعلم لا يستطيع إنزال المطر، كما أنه لا يستطيع منع نزوله.
تفسيرات علمية
نعم هناك تفسيرات علمية لبعض الظواهر الطبيعية مثل تبخير المياه بالحرارة، وتجميدها بالتبريد، وعن حدوث البرق والرعد وحركة الرياح، وهذه التفسيرات العلمية مقبولة ومقنعة ولا تتعارض مع الشريعة الإسلامية شريطة أن تربط هذه التفسيرات بقدرة الله رب العالمين وإرادته الذي أوجد خصائص الأشياء من تبخّر وتجمّد وحرارة وبرودة، وأن مهمة العلم تنحصر في الكشف عن أسرار الكون وعن خصائص العناصر والمواد وليس الإيجاد والخلق، لأن الإيجاد والخلق مرتبطان بقدرة الله سبحانه وتعالى، رب السماوات والأرضين. وكذلك الأمر بالنسبة للحياة في الكائنات الحية، فأصل “الحياة” في الخلايا من خلق الله عزّ وجل وعليه فإن العلم لا يتحكّم في نزول المطر ولا في انحباسه، وأن مهمة محطات الأرصدة الجوية هي الإعلان عن توقعات وتصورات لنزول المطر بناءً على هبوب رياح باردة على مناطق معينة، فيمكن أن تقع، ويمكن أن لا تقع.
الحقيقة الثابتة
هناك حقيقة ثابتة لا بدّ من الإشارة إليها وهي: أن نزول الأمطار وحبسها بيد الله سبحانه وتعالى القائل في سورة الحجر: ” وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ” الآية22. والقائل في سورة المؤمنون: ” وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ” الآية 18. والقائل في سورة الزخرف: “والذي نزّل من السماء ماءً بقدر فأنشرنا به بلدةً ميتاً، كذلك تُخرجون” الآية 11.
نزول المطر لا يدل على الرضا أو السخط الرباني
السؤال: لماذا تحبس الأمطار؟
الجواب: إن حبس الأمطار هو مظهر من مظاهر الغضب الرباني على الناس، وذلك بسبب ارتكاب المعاصي والكبائر، ولسكوتهم عن ارتكابها، مثل: عقوق الوالدين، ارتكاب الزنا، أكل الربا، الامتناع عن إخراج الزكاة، التلاعب بالمكاييل والموازين، التعاون مع الأعداء، والسمسرة لهم وغيرها من الموبقات والمحرمات. وقد حذّر القرآن الكريم أولئك الذين يسكتون عن ارتكاب المعاصي والمحرمات بقوله سبحانه وتعالى: ” وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ” سورة الأنفال، الآية 25. وكما هو واضح في مجتمعنا وفي كل زمان بأن الساكتين عن مرتكبي المعاصي أكثر بكثير من مرتكبي المعاصي أنفسهم. وهناك أحاديث نبوية شريفة تصرح بأن الامتناع عن أداء الزكاة يؤدي إلى القحط وحبس الأمطار وعدم نزولها، ومن هذه الأحاديث:
1- (ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم بالسنين) رواه الطبراني في الأوسط عن الصحابي الجليل بريدة رضي الله عنه، والمراد بالسنين القحط والفقر ونزع البركة وشدة الأزمة.
2- (… ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر) رواه الحاكم والبيهقي عن الصحابي الجليل بريدة رضي الله عنه، والمراد بالقطر الماء من السماء.
3- (يا معشر المهاجرين، خصال خمس إن ابتُليتم بهن ونزلن بكم_ أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشد المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولا نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلّط الله عليهم عدوّاً من غيرهم فيأخذ بعض ما في ايديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم) رواه ابن ماجه والبيهقي والبزار عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
وعليه فإن انحباس المطر دلالة على عدم الرضا وما يتبع ذلك من قحط وجوع وغلاء فهذه صورة من صور الغضب الرباني، أما نزول المطر فلا يدل على الرضا كما لا يدل على السخط، فالملاحظ أنّ الأمطار تنزل على أقطار العالم المتعددة بغضّ النظر عن الديانات والألوان والأجناس والقوميات، وذلك رأفة ورحمة من الله عزّ وجل بالأطفال الرضّع والشيوخ الركّع والبهائم الرتّع.
المعالجة حين انحباس الأمطار
السؤال: ما الذي ينبغي على المسلمين القيام به حتى لا ينزل الله عزّ وجل عقابه عليهم من خلال انحباس المطر؟
الجواب: هناك عدة أمور ينبغي على المسلمين الالتزام بها، أذكر أبرزها:
1- التركيز على العقيدة الإسلامية التي تقوم على التوحيد، فالتوحيد أساس الإسلام، وبه تضبط جميع الأفعال والتصرفات.
2- الاتعاظ بما حلّ بالأقوام والشعوب السابقة من خسف وقحط وغرق بما كسبت أيديهم.
3- التوبة النصوح من المعاصي والموبقات والكبائر والمحرمات.
4- إعادة الحقوق إلى أصحابها، ورفع الظلم فيما بين الناس، وعدم الاعتداء على بعضهم بعضاً.
5- بر الوالدين والمحافظة على صلة الأرحام، وعدم قطعها فيما بين الناس.
6- الالتزام بإخراج الزكاة في موعدها، باعتبارها واجبة وفرض على الأغنياء، وتوزيعها على مستحقيها الفقراء باعتبارها حق لهم.
الخاتمة
علينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن يأتي يوم الحساب، كما يجب أن نغيّر ما في أنفسنا إلى الأفضل والأصلح، والله سبحانه وتعالى يقول في سورة الأنفال: ” ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ” الآية 53. ويقول عزّ وجل في سورة الرعد: ” إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ” الآية 11. حينئذ يكون أملنا كبيراً في أن ينزل الله ربّ العالمين الأمطار علينا وأن لا يحبسها عنا، وصدق الله العظيم. في سورة الأعراف: ” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ” الآية 95.
وأخيراً وليس آخراً فإنا نحمد الله العلي القدير على ما أنعم علينا من بركات السماء، ولا يسعنا إلا أن نقول: اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين…..اللهم اجعله سقيا رحمة لا سقيا عذاب
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.